فصل: تفسير الآية رقم (44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (43):

{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)}
{اذْهَبَا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} وروي أنه أوحى إلى هارون وهو صر أن يتلقى موسى عليهما السلام، وقيل: ألهم ذلك، وقيل: سمع بإقباله فتلقاه، ويحتمل أنه ذهب إلى الطور واجتمعا هناك فخوطبا معًا، ويحتمل أن هذا الأمر بعد إقبال موسى عليه السلام من الطور إلى مصر واجتماعه بهارون عليه السلام مقبلًا إليه من مصر، وفرق بعضهم بين هذا، وقوله تعالى: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ} [طه: 42] بأنه لم يبين هناك من يذهب إليه وبين هنا، وبعض آخر بأنه أمرا هنا بالذهاب إلى فرعون وكان الأمر هناك بالذهاب إلى عموم أهل الدعوة، وبعض آخر بأنه لم يخاطب هارون هناك وخوطب هنا، وبعض آخر بأن الأمر هناك بذهاب كل منهما على الانفراد نصًا أو احتمالًا والأمر هنا بالذهاب على الاجتماع نصًا، ولا يخفى ما في بعض هذه الفروق من النظر، والفرق ظاهر بين هذا الأمر والأمر في قوله تعالى أولًا خطابًا لموسى عليه السلام {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى.}

.تفسير الآية رقم (44):

{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)}
{فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيّنًا} قرأ أبو معاذ {لَّيّنًا} بالتخفيف، والفاء لترتيب ما بعدها على طغيانه فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة ويلين قسوة الطغاة، ويعلم من ذلك أن الأمر بإلانة القول ليس لحق التربية كما قيل، والمعنى كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا تعنفاه في قولكما وارفقا به في الدعاء ويتحقق ذلك بعبارات شتى منها ما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا وهو {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} [طه: 47] إلخ ومنها ما في النازعات وهو {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى رَبّكَ فتخشى} [النازعات: 18، 19] وهذا ظاهر غاية الظهور في الرفق في الدعاء فإنه في صورة العرض والمشورة، وقيل: كنياه، واستدل به على جواز تكنية الكافر، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضًا. وسفيان الثوري، وله كنى أربع أبو الوليد. وأبو مصعب. وأبو العباس. وأبو مرة، وقيل: عداه شبابًا لا يهرم بعده وملكًا لا ينزع منه إلا بالموت وأن يبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وعن الحسن قولًا له: إن لك ربًا وإن لك معادًا وإن بين يديك جنة ونارًا فآمن بالله تعالى يدخلك الجنة ويقك عذاب النار، وقيل: أمرهما سبحانه بأنه يقدما له الوعد على الوعيد من غير تعيين قول كما قيل:
أقدم بالوعد قبل الوعيد ** لينهى القبائل جهالها

وروي عن عكرمة أن القول اللين لا إله إلا الله ولينه خفته على اللسان، وهذا أبعد الأقوال وأقربها الأول، وكان الفضل بن عيسى الرقاشي إذا تلا هذه الآية قال: يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؛ وقرأت عند يحيى بن معاذ فبكى وقال: إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فكيف رفقك بمن يقول أنت الله؟ وفيها دليل على استحباب إلانة القول للظالم عند وعظه {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} ويتأمل فيبدل النصفة من نفسه والإذعان للحق فيدعوه ذلك إلى الإيمان {أَوْ يخشى} أن يكون الأمر كما تصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة وذلك يدعوه إلى الإيمان أيضًا إلا أن الأول للراسخين ولذا قدم، وقيل: يتذكر حاله حين احتبس النيل فسار إلى شاطئه وأبعد وخر لله تعالى ساجدًا راغبًا أن لا يخجله ثم ركب فأخذ النيل يتبع حافر فرسه فيستدل بذلك على عظيم حلم الله تعالى وكرمه أو يخشى ويحذر من بطش الله تعالى وعذابه سبحانه، والمعول على ما تقدم.
ولعل للترجي وهو راجع للمخاطبين، والجملة في محل النصب حال من ضميرهما في {قَوْلًا} أي فقولا له قولًا لينًا راجيين أن يتذكر أو يخشى، وكلمة أو لمنع الخلو.
وحاصل الكلام باشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه فهو يجتهد بطوعه ويحتشد بأقصى وسعه، وقيل: حال من ضميرهما في {اذهبا} [طه: 43] والأول أولى، وقيل: لعل هنا للاستفهام أي هل يتذكر أو يخشى. وأخرج ذلك ابن المنذر. وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قيل: وهو القول اللين، وأخرج ذلك مخرج قولك: قل لزيد هل يقوم.
وقال الفراء: هي هنا عنى كي التعليلية وهي أحد معانيها كما ذهب إليه جماعة منهم الأخفش. والكسائي بل حكى البغوي عن الواقدي أن جميع ما في القرآن من لعل فإنها للتعليل إلا قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} فإنها للتشبيه كما في صحيح البخاري. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال: لعل في القرآن عنى كي غير آية في الشعراء {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129] فإن المعنى كأنكم تخلدون، وأخرج عن قتادة أنه قال: قرئ كذلك، ولا يخفى أن كونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة، وحملها على الاستفهام هنا بعيد، ولعل التعليل أسبق إلى كثير من الأذهان من الترجي لكن الصحيح كما في البحر أنها للترجي وهو المشهور من معانيها، وقيل: إن الترجي مجاز عن مطلق الطلب وهو راجع إليه عز وجل، والذي لا يصح منه سبحانه هو الترجي حقيقة، والمحققون على الأول، والفائدة في إرسالهما عليهما السلام إليه مع العلم بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة.
وزعم الإمام أنه لا يعلم سر الإرسال إليه مع علمه تعالى بامتناع حصول الإيمان منه إلا الله عز وجل ولا سبيل في أمثال هذا المقام لغير التسليم وترك الاعتراض.
واستدل بعض المتبعين لمن قال بنجاة فرعون بهذه الآية فقال: إن لعل كذا من الله تعالى واجب الوقوع فتدل الآية على أن أحد الأمرين التذكر والخشية واقع وهو مدار النجاة، وقد تقدم لك ما يعلم منه فساد هذا الاستدلال، ولا حاجة بنا إلى ما قيل من أنه تذكر وخشي لكن حيث لم ينفعه ذلك وهو حين الغرق بل لا يصح حمل التذكر والخشية هنا على ما يشمل التذكر والخشية اللذين زعم القائل حصولهما لفرعون فتذكر.

.تفسير الآية رقم (45):

{قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)}
{قَالاَ} استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قالا حين أمرا بما أمرا؟ فقيل: {قَالاَ} إلخ، وأسند القول إليهما مع أن القائل هو موسى عليه السلام على القول بغيبة هارون عليه السلام للتغليب كما مر.
ويجوز أن يكون هارون عليه السلام قد قال ذلك بعد اجتماعه مع موسى عليه السلام فحكى قوله مع قول موسى عند نزول الآية كما في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} [المؤمنون: 51] فإن هذا الخطاب قد حكى لنا بصيغة الجمع مع أن كلًا من المخاطبين لم يخاطب إلا بطريق الانفراد، وجوز كونهما مجتمعين عند الطور وقالا جميعًا {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا} أي أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم، ومنه الفارط المتقدم للمورد والمنزل، وفرس فارط يسبق الخيل، وفاعل {يَفْرُطَ} على هذا فرعون، وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون التقدير أن يفرط علينا منه قول فاضمر القول كما تقول فرط مني قول وهو خلاف الظاهر.
وقرأ يحيى. وأبو نوفل. وابن محيصن في رواية {يَفْرُطَ} بضم الياء وفتح الراء من أفرطته إذا حملته على العجلة أي نخاف أن يحمله حامل من الاستكبار أو الخوف على الملك أو غيرهما على المعاجلة بالعقاب. وقرأت فرقة.
والزعفراني عن ابن محيصن {يَفْرُطَ} بضم الياء وكسر الراء من الإفراط في الأذية. واستشكل هذا القول مع قوله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} [القصص: 35] فإنه مذكور قبل قولهما هذا بدلالة {سَنَشُدُّ} وقد دل على أنهما محفوظان من عقوبته وأذاه فكيف يخافان من ذلك. وأجيب: بأنه لا يتعين أن يكون المعنى لا يصلون بالعقوبة لجواز أن يراد لا يصلون إلى إلزامكما بالحجة مع أن التقدم غير معلوم ولو قدم في الحكاية لاسيما والواو لا تدل على ترتيب، والتفسير المذكور مأثور عن كثير من السلف منهم ابن عباس. ومجاهد وهو الذي يقتضيه الظاهر، وزعم الإمام أنهما قد أمنا وقوع ما يقطعهما عن الأداء بالدليل العقلي إلا أنهما طلبا بما ذكر ما يزيد في ثبات قلوبهما بأن ينضاف الدليل النقلي إلى الدليل العقلي وذلك نظير ما وقع لإبراهيم عليه السلام من قوله: {رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الموتى} [البقرة: 260] ولا يخفى أن في دعوى علمهما بالدليل العقلي عدم وقوع ما يقطعهما عن الأداء جثا. واستشكل أيضًا حصول الخوف لموسى عليه السلام بأنه يمنع عن حصول شرح الصدر له الدال على تحققه قوله تعالى بعد سؤاله إياه {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى موسى} [طه: 36]. وأجاب الإمام بأن شرح الصدر عبارة عن قوته على ضبط تلك الأوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليها السهو والتحريف وذلك شيء آخر غير زوال الخوف.
وأنت تعلم أن كثيرًا من المفسرين ذهبوا إلى أن شرح الصدر هنا عبارة عن توسيعه وهو عبارة عن عدم الضجر والقلق القلبي مما يرد من المشاق في طريق التبليغ وتلقي ذلك بحميل الصبر وحسن الثبات.
وأجيب على هذا بأنه لا منافاة بين الخوف من شيء والصبر عليه وعدم الضجر منه إذا وقع ألا ترى كثيرًا من الكاملين يخافون من البلاء ويسألون الله تعالى الحفظ منه وإذا نزل بهم استقبلوه بصدر واسع وصبروا عليه ولم يضجروا منه. وقيل: إنهما عليهما السلام لم يخافا من العقوبة إلا لقطعها الأداء المرجو به الهداية فخوفهما في الحقيقة ليس إلا من القطع وعدم إتمام التبليغ ولم يسأل موسى عليه السلام شرح الصدر لتحمل ذلك. واستشكل بأن موسى عليه السلام كان قد سأل وأوتي تيسير أمره بتوفيق الأسباب ورفع الموانع فكيف يخاف قطع الأداء بالعقوبة. وأجيب: بأن هذا تنصيص على طلب رفع المانع الخاص بعد طلب رفع المانع العام وطلب للتنصيص على رفعه لمزيد الاهتمام بذلك. وقيل: إن في الآية تغليبًا منه لأخيه هارون على نفسه عليهما السلام ولم يتقدم ما يدل على أمنه عليه فتأمل، واستشكل أيضًا عدم الذهاب والتعلل بالخوف مع تكرر الأمر بأنه يدل على المعصية وهي غير جائزة على الأنبياء عليهم السلام على الصحيح.
وأجاب الإمام بأن الدلالة مسلمة لو دل الأمر على الفور وليس فليس، ثم قال: وهذا من أقوى الدلائل على أن الأمر لا يقتضي الفور إذا ضممت إليه ما يدل على أن المعصية غير جائزة على الأنبياء عليهم السلام، و{أَوْ} في قوله تعالى: {أَوْ أَن يطغى} لمنع الخلو، والمراد أو أن يزداد طغيانًا إلى أن يقول في شأنك ما لا ينبغي لكمال جراءته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب، وفيه استنزال لرحمته تعالى وإظهار كلمة أن مع سداد المعنى بدونه لإظهار كمال الاعتناء بالأمر وازشعار بتحقق الخوف من كل من المعاطفين.

.تفسير الآية رقم (46):

{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)}
{قَالَ} استئناف كما مر، ولعل إسناد الفعل إلى ضمير الغيبة كما قيل للإشعار بانتقال الكلام من مساق إلى مساق آخر فإن ما قبله من الأفعال الواردة على صيغة التكلم حكاية لموسى عليه السلام بخلاف ما سيأتي إن شاء الله تعالى: {قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعلى} [طه: 68] فإن ما قبله أيضًا وارد بطريق الحكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: فما ذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه سبحانه؟ فقيل: قال أي لهما {لاَ تَخَافَا} مما ذكرتما.
وقوله تعالى: {إِنَّنِى مَعَكُمَا} تعليل لموجب النهي ومزيد تسلية لهما، والمراد عيته سبحانه كمال الحفظ والنصرة كما يقال: الله تعالى معك على سبيل الدعاء وأكد ذلك بقوله تعالى: {أَسْمَعُ وأرى} وهو بتقدير المفعول أي ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل فافعل في كل حال ما يليق بها من دفع شر وجلب خير.
وقال القفال: يحتمل أن يكون هذا في مقابلة القول السابق ويكونان قد عنيا أننا نخاف أن يفرط علينا بأن لا يسمع منا أو أن يطغى بأن يقتلنا فأجابهم سبحانه بقوله: {إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ} أي كلامكما فاسخره للاستماه {وأرى} أفعاله فلا أتركه يفعل بكما ما تكرهانه فقدر المفعول أيضًا لكنه كما ترى، وقال الزمخشري: جائز أن لا يقدر شيء، وكأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر وإذا كان الحافظ والناصر كذلك تم الحفظ، وهو يدل على أنه لا نظر إلى المفعول وقد نزل الفعل المتعدي منزلة اللازم لأنه أريد تتميم ما يستقل به الحفظ والنصرة وليس من باب قول المتنبي:
شجو حساده وغيظ عداه ** أن يرى مبصر ويسمع واع

على ما زعم الطيبي، واستدل بالآية على أن السمع والبصر صفتان زائدتان على العلم بناءً على أن قوله تعالى: {إِنَّنِى مَعَكُمَا} دال على العلم ولو دل {أَسْمَعُ وأرى} عليه أيضًا لزم التكرار وهو خلاف الأصل.